إشعال حرب مع إيران- فشل عسكري جديد ومخاطر وخيمة تهدد المنطقة.

المؤلف: كريس هيدجيز08.28.2025
إشعال حرب مع إيران- فشل عسكري جديد ومخاطر وخيمة تهدد المنطقة.

لطالما سعَت إسرائيل وحلفاؤها من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة إلى إذكاء نار الحرب مع إيران، وهي حربٌ لا قِبلَ لإسرائيل ولا الولايات المتحدة بتحقيق النصر فيها، وستجرّ معها سلسلة من الردود الانتقامية العنيفة.

إنّ المحافظين الجدد، الذين دبّروا الحروب الكارثية في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، والذين لم يُحاسبوا قط على تبديد ثمانية تريليونات دولار من أموال دافعي الضرائب، بالإضافة إلى تسعة وستين مليار دولار أُنفقت في أوكرانيا، يَبْدُو أنهم يُعِدُّون العُدَّة لجرّنا إلى هاوية فشل عسكري آخر، وهذه المرة مع إيران.

ولكن إيران ليست كالعراق أو أفغانستان أو لبنان أو ليبيا أو سوريا أو اليمن. إيران هي الدولة السابعة عشرة على مستوى العالم من حيث المساحة، إذ تعادل مساحتها مساحة أوروبا الغربية بأكملها. يبلغ عدد سكانها ما يقارب التسعين مليون نسمة، أي عشرة أضعاف عدد سكان إسرائيل، وتمتلك قدرات عسكرية وتحالفات وثيقة مع الصين وروسيا، ممّا يجعلها خصمًا لا يُستهان به.

شنّت إيران هجمات انتقامية على إسرائيل ردًا على سلسلة الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية وأودت بحياة عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، بالإضافة إلى ستة علماء نوويين. سُمعت دوي انفجارات في سماء تل أبيب والقدس وغيرها من المدن، وتظهر لقطات مصورة على الأرض في تل أبيب انفجارًا ضخمًا يُعتقد أنه ناجم عن صاروخ، إلى جانب تقارير عن انفجارات أخرى في ما يقرب من نصف دزينة من المواقع في محيط المدينة.

صرّح مسؤول إيراني رفيع المستوى لوكالة رويترز قائلًا: "إنّ انتقامنا قد بدأ للتو، وسيدفعون ثمنًا باهظًا لقتل قادتنا وعلمائنا وشعبنا". وأضاف مؤكدًا: "لن يكون هناك مكان آمن في إسرائيل"، وأن "انتقامنا سيكون موجعًا ومُدَمِّرًا".

في مقابلة أجريتها مع أليستر كروك، الدبلوماسي البريطاني السابق والعضو في جهاز الاستخبارات البريطانية (MI6)، تحدّث عن المحافظين الجدد قائلًا: "إنهم يعتقدون أن الحرب ستكون نزهة سهلة. إنهم يصبون إلى إعادة فرض الهيمنة والقيادة الأميركية. ويرون أن تدمير دولة صغيرة بين الفينة والأخرى يخدم هذا الهدف".

وأضاف موضحًا أن هؤلاء المحافظين الجدد، المتحالفين مع قيادة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، "لا يتسامحون مع وجود أي قوة منافسة، أو أي تحدٍ للقيادة الأميركية وعظمتها". وسوف يسعون جاهدين لخلق "حقائق على الأرض"، أي إشعال حرب ضروس بين إسرائيل وإيران، من شأنها أن "تدفع ترامب قسرًا نحو خوض حرب مع إيران".

على الرغم من التدهور الذي يشهده سلاح الجو الإيراني، الذي يعتمد على مقاتلات عتيقة الطراز، فإن إيران تمتلك ترسانة قوية من أنظمة الدفاع الجوي الروسية، وصواريخ صينية متطورة مضادة للسفن، بالإضافة إلى الألغام والمدفعية الساحلية. وبإمكانها بسهولة إغلاق مضيق هرمز، الذي يُعدّ أهم ممر لعبور النفط في العالم، والذي يمرّ عبره نحو 20% من الإمدادات العالمية.

إنّ هذا الأمر قد يؤدي إلى مضاعفة أو حتى تضعيف أسعار النفط، ممّا يشل حركة الاقتصاد العالمي برمّته. تمتلك إيران مخزونًا ضخمًا من الصواريخ الباليستية القادرة على الوصول إلى إسرائيل، وكذلك إلى القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة. وعلى الرغم من إمكانية اعتراض الموجات الأولى من هذه الصواريخ، فإن الهجمات المتكررة ستعمل على استنزاف مخزون الدفاعات الجوية لدى إسرائيل والولايات المتحدة بشكل سريع.

إن إسرائيل غير قادرة على الصمود في حرب استنزاف طويلة الأمد، على غرار الحرب التي دامت ثماني سنوات بين إيران والعراق، والتي انتهت، على الرغم من الدعم الأميركي لنظام صدام حسين، بالوصول إلى طريق مسدود، أو على غرار احتلالها لجنوب لبنان لمدة ثمانية عشر عامًا، والذي انتهى بانسحابها في مايو/أيار من العام 2000 بعد تكبّدها خسائر فادحة على يد حزب الله.

عندما أطلقت إيران، في إطار عملية "الوعد الصادق"، أكثر من ثلاثمئة صاروخ باليستي ومجنح على مواقع عسكرية واستخباراتية إسرائيلية في الثالث عشر والرابع عشر من أبريل/نيسان من العام 2023، ردًا على قصف إسرائيلي استهدف السفارة الإيرانية في دمشق، تمكّنت الولايات المتحدة من اعتراض معظم هذه الصواريخ.

صرّح جون ميرشايمر، الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو وخريج ويست بوينت، قائلًا: "إسرائيل لا تمتلك القدرة على صدّ هجوم صاروخي إيراني شامل".

وأضاف موضحًا: "نحن أمام وضع معقّد ومثير للاهتمام، فإسرائيل لا تستطيع الانتصار في هذه الحروب، ولكنها تعمل على إطالة أمدها، ممّا يجعلها تعتمد بشكل كامل على الدعم الأميركي".

وتابع قائلًا: "لدينا الكثير من الأصول المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وكذلك داخل إسرائيل نفسها والبحر الأحمر. هذه الأصول مصممة خصيصًا لمساعدة إسرائيل في حروبها. إن الأمر لا يقتصر على إيران فحسب، بل يشمل أيضًا الحوثيين وحزب الله. نحن منخرطون بعمق في تقديم المساعدة لهم في القتال، وهذا لم يكن الحال في عام 1973 أو في أي وقت مضى قبل هذه الحرب".

يزعم الإسرائيليون وحلفاؤهم من المحافظين الجدد أنهم قادرون على القضاء على برنامج التخصيب النووي الإيراني بالقوة الغاشمة، والإطاحة بالحكومة الإيرانية الشرعية وتنصيب نظام عميل يأتمر بأوامرهم. هذا المنطق، الذي لا يستند إلى أي حقائق على أرض الواقع، قد باء بالفشل الذريع في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، ولكنهم يرفضون الاعتراف بذلك.

في الوقت ذاته، تسعى إسرائيل جاهدة لصرف أنظار العالم عن الإبادة الجماعية والمجاعة المروّعة التي ترتكبها في غزة، والتطهير العرقي المحموم والمتسارع في الضفة الغربية. لقد قُطعت الاتصالات بشبكة الإنترنت بشكل كامل في غزة، وأُحكم الحصار الشامل على الضفة الغربية.

أوضح ميرشايمر قائلًا: "يدرك الإسرائيليون تمام الإدراك أنه في حال حدوث تصعيد شامل، لن يكترث أحد كثيرًا بمعاناة الفلسطينيين".

وأضاف: "سيكون الناس على أتم الاستعداد لتقديم المزيد من التبريرات لأفعال إسرائيل، ممّا لو كانت الأوضاع هادئة ومستقرة. لذلك، دعونا نصعّد الأمور، لنهيئ لحالة من الصدام الشامل، والنتيجة هي أننا سنتمكن من تنفيذ تطهير عرقي واسع النطاق في غزة، وربما في الضفة الغربية أيضًا".

إنّ الهجوم الإيراني، في نهاية المطاف، سيؤدي إلى سقوط مئات ثم آلاف القتلى والجرحى. وستلجأ إيران إلى حشد دعم الشيعة المنتشرين في المنطقة في إطار ما ستصوره على أنه "حرب ضدّ التشيّع"، وهي ثاني أكبر طائفة في الإسلام، والذين ينتشر أتباعها في مختلف دول الخليج، وباكستان، وتركيا. أما في العراق، فيمثل الشيعة الأغلبية الساحقة.

من المتوقع أن يدعم النظام العراقي ذو الأغلبية الشيعية إيران بكل ما أوتي من قوة. وسيستمر تعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر من قِبل اليمن، مع استمرار استهداف إسرائيل بهجمات الطائرات المسيّرة. وسوف يتجدد هجوم حزب الله على شمال إسرائيل، على الرغم من الخسائر والأضرار التي لحقت به. ومن المتوقع أيضًا وقوع هجمات إرهابية على القواعد الأميركية في المنطقة، وربما حتى على الأراضي الأميركية نفسها، إلى جانب عمليات تخريب واسعة النطاق في إنتاج النفط في منطقة الخليج.

باتت إيران على وشك امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنيع سلاح نووي. وستكون الحرب حافزًا قويًا لها لصنع قنبلة نووية، خاصة مع امتلاك إسرائيل لمئات الأسلحة النووية. وإذا ما حصلت إيران على قنبلة نووية، فستتبعها تركيا ودول عربية أخرى حذوها. وهذا الأمر سيؤدي إلى انهيار الجهود المبذولة لمنع انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط.

وكما يشير ميرشايمر بحصافة، فإن هذه الحرب ستعزز أيضًا التحالف المتين بين إيران وروسيا والصين.

صرّح قائلًا: "لقد دفعت الولايات المتحدة كُلًا من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران إلى التقارب الشديد". وأردف قائلًا: "لقد شكّلت هذه الدول كتلة متماسكة ومترابطة. وبسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، تقاربت روسيا والصين، وبسبب الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، تعزّز التقارب بين إيران وروسيا. الولايات المتحدة تقدم الدعم لإسرائيل، ولكن يجب أن ندرك أن روسيا تقدم الدعم لإيران. ليس من مصلحة أميركا أن تتوحد الصين وروسيا ضد واشنطن. وليس من مصلحتها أن تتعاون إيران وروسيا ضد إسرائيل والولايات المتحدة".

وتابع قائلًا: "ثمة دائمًا احتمال وارد بأن تتورط روسيا بشكل مباشر في هذه الحرب، إذا ما تصاعدت وتيرتها بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، لأن روسيا باتت تمتلك الآن مصلحة حقيقية في دعم إيران ومساندتها".

قد تستمر هذه الحرب لأشهر، أو ربما لسنوات طوال. ستكون حربًا جوية في المقام الأول، حيث ستدور رحاها بين الطائرات الإسرائيلية والصواريخ الإيرانية. ولكن إخضاع إيران بشكل كامل سيتطلب على الأرجح نشر ما يقرب من مليون جندي أميركي لاحتلال البلاد. ومثل هذا الاحتلال سينتهي بهزيمة مذلة ومخزية، كما حدث في العراق وأفغانستان.

إن الوهم الإسرائيلي المتمثل في قدرتهم على تدمير إيران بشن ضربات جوية خاطفة، ما هو إلّا نسخة محدّثة من استراتيجية "الصدمة والرعب" التي طُبّقت في العراق عام 2003. ولكن كمية القنابل المطلوبة، خاصة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض، ستكون هائلة وضخمة للغاية. في عملية تصفية قيادات حزب الله في بيروت، بمن فيهم حسن نصر الله، استخدمت إسرائيل قنابل خارقة للتحصينات تزن ألفي رطل من طراز JDAM.

أشار كروك قائلًا: "إذا كنت ستطلق طائرات "إف-35" محمّلة بصواريخ JDAM، فإن وزن كل واحد منها يبلغ حوالي أربعة عشر طنًا".

وأضاف: "المشكلة لا تكمن في الوزن فحسب، بل في كمية الوقود التي تستهلكها هذه الطائرات. يجب إعادة تزويدها بالوقود مرة أو مرتين، ثم خوض معركة جوية ضروس لإخماد الدفاعات. نحن نتحدث هنا عن عملية ضخمة ومعقدة. فهل تستطيع أميركا القيام بذلك؟ الإيرانيون يمتلكون أنظمة دفاع جوي متعددة ورادارات قوية، بما في ذلك رادارات تتجاوز مدى الرؤية".

فلماذا إذن ننزلق إلى هاوية الحرب مع إيران؟ لماذا ننسحب من اتفاق نووي لم تنتهكه إيران قط؟ لماذا نشيطن حكومة تعادي حركة طالبان والتنظيمات التكفيرية الأخرى، كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية؟ لماذا نزعزع الاستقرار في منطقة شديدة الهشاشة أصلًا؟

إنّ الجنرالات والساسة وأجهزة الاستخبارات والمحافظين الجدد ومصانع الأسلحة والمحللين المزعومين والنجوم الإعلاميون ومجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، لن يتحملوا المسؤولية عن عقدين كاملين من الفشل العسكري الذريع.

إنهم في أمس الحاجة إلى كبش فداء يُلقون عليه اللوم. وهذا الكبش هو إيران. إن الهزائم المهينة التي مُنينا بها في أفغانستان والعراق، وانهيار الدولة في سوريا وليبيا، وانتشار الجماعات المتطرفة والميليشيات التي قمنا بتدريبها وتسليحها، واستمرار الهجمات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، كلها أمور يجب أن يتحملها طرف ما.

إن الفوضى العارمة التي أطلقناها، خاصة في العراق وأفغانستان، قد جعلت من إيران القوة الإقليمية الكبرى. لقد ساعدنا خصمنا على بسط نفوذه وسيطرته، ولا نعرف كيف نوقف هذا الأمر سوى بمهاجمته.

القانون الدولي، وحقوق ما يقرب من تسعين مليون إنسان في إيران، يتم تجاهلها بشكل صارخ، تمامًا كما تم تجاهل حقوق شعوب أفغانستان والعراق وليبيا واليمن وسوريا من قبل.

الإيرانيون، بغض النظر عن آرائهم ومواقفهم تجاه حكومتهم، لا يرون في الولايات المتحدة حليفًا أو منقذًا. إنهم لا يريدون أن يتعرضوا للهجوم أو الاحتلال. وسوف يردّون بقوة وحزم. وسوف ندفع نحن، وكذلك إسرائيل، الثمن باهظًا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة